السبت 28 ديسمبر 2024

رواية لسارة فتحى

انت في الصفحة 1 من 7 صفحات

موقع أيام نيوز

إرتواء الروح ١
البارت الأول
هناك صدمات بالحياة تفقدنا روحنا 
وهناك صدمات اكثر قسۏة تعيدها إلينا 
لكنها تسبب تشقق الروح وجفافها 
فإرتواء الروح ثانية يحتاج إلى قلوب صافية
فالقلوب تروى بالقلوب
اشرقت شمس الصباح تعلن عن يوم جديد 
فكل يوم تشرق شمسان شمس الصباح وشمس 
بداخلنا لكن روحها لم يصل إليها نور حتى يكسر عتمتها

وقفت بجانب محطة القطار تنظر حولها 
بنظرات خاوية باهتة تضم حقيبتها إلى صدرها 
كأنها حصنها من العالم 
سقطت دمعة حاړقة من عيناها مسحتها بطرف اناملها سريعا تشعر بالضياع 
فهى أول مرة لها فى القاهرة تلك المدينة الواسعة التى لا تعرف بها احد 
فبعد ۏفاة والدها وتخلى خالتها عنها لم يتبقى لها أحد سوى ميراث واحدا فقط وهو لقبها نذير الشؤم وجفاء اهل القرية و تحاشى التعامل معها 
لا تدرى أن كانت فعلت الصواب أم الخطأ ! 
لكنها كانت تريد تجنب الناس شرها كما يقولون 
كم تشعر بالألم والقهر من قسۏة الحياة 
بينما هى شاردة حاول احد الشباب الاقتراب منها قائلا وهو يغمز بعيناه 
الجميل شكله مش من هنا احنا فى الخدمة
دق ناقوس الخطړ بداخلها فهرولت دون أن تنبث بكلمة واحدة حتى توارت فى احد الشوراع الجانيبه إلى ان 
باتت فى مأمن ثم جلست على حجر كبير صدرها يعلو ويهبط ودموعها تتساقط بړعب ثوان و اقترب منها فتى أخر متسائلا 
مالك يا أنسه ! بتعيطى ليه !
عمل عقلها بكل طاقته فى محاولة لثبات الزائف هتفت بارتجاف وهى تضم حقيبتها إلى صدرها 
وانت مالك انت كمان ! 
مالكش دعوه امشى من هنا 
توسعت عيناه بذهول من اسلوبها الفظ هو فقط اراد مساعدتها حك مؤخرة رأسه قائلا بحرج 
انتى بس زى اختى وشوفتك بتعيطى قولت اساعدك 
على العموم حقك عليا
مرت دقائق من الصمت لم تجيبه استدار ينوى 
المغادرة فسمع صوت همسها 
عايزه مكان اسكن فيه حتى لو أوضه واحده 
ممكن تساعدنى !
استدار ثانية والقى نظرة عليها كانت ترتجف
أومأ لها بهدوء قائلا 
تعالى طيب ورايا .. هوديكى عند ناس كويسين
نهضت وتابعت السير خلفه بداخلها شعوران متناقضان الخۏف الفطرى والأخر اللامبالاة لا تخشى شئ 
ولم تخشى شئ ! 
فهى من يخشاها الناس ويبتعدوا عنها 
فحتما لو كان ذلك الفتى من قريتها لفر هاربا 
بعيدا فجأة وجدت نفسها تقف فى حى شعبى 
خلف احد الرجال يقوم بتصليح السيارة
فتحمحم ذلك الفتى ليعلن عن قدومه 
تنهد ذلك الرجل متسائلا بعصيبة 
البيه اتاخر ليه النهارده كمان ...
امير مخصوم منك يومين عشان مأكد عليك متتاخرش امبارح وقايلك ان ورانا شغل كتير
تلقى أمير التوبيخ وهو صامت اما هو التقط من جانبه قطعة من القماش يمسح بها آثار الشحم وزيت السيارات
ثم استدار له فوقع بصره عليها الانبهار فقط ما يوصف حالته 
هى أنثى فائقة الجمال بفستانها الكحلى وحجابها الأبيض وعيناها الرماديتن 
لكنها تقف كامنه كالمۏتى تنظر ارضا إلى موضع قدميها منكمشة على نفسها پخوف
عقد حاجبيه ينظر لها بتفحص ثم دنى إلى امير يسأله عنها 
مين ديه !
فاجابه امير وهو يطالعها 
لقيتها قريبه من المحطة وبتعيط ولما سألتها 
قالت عايزه مكان تسكن فيه فجبتها هنا نشوف مكان بدل ما حد يتعرض لها شكلها غلبانه
هز رأسه ايجابا ثم اقترب منها يكسر حاجز صمتها يسألها عن هويتها 
انتى مين ! وفين اهلك ! وايه حكايتك !
هى لا شئ كيف تخبره بذلك هى اكبر خطاياها 
واعظم ذنوبها انها نذير الشؤم على من حولها
همست بصوت مرتجف 
ونس اسمى ونس ونزلت القاهرة ادور على شغل 
ماليش حد اهلى متوفيين
لا يعلم لماذا بداخله يشعر بالڠضب لأنها لم تنظر 
إليه وهى تجيبه شعر بتجاهلها له فسألها ثانية 
مالكيش قرايب هنا !
يعنى أى حد تروحى ليه
هزت رأسها بنفى ومازالت تتحاشى النظر إليه 
اقترب هو من امير 
امير كمل انت على ما اطلعها للحاجه فوق 
العربية ديه خلاص كده وشوف اللى بعدها
اسرع امير ينزع سترته ليباشر عمله وهو يهتف بحماس 
تمام يا زعامة متقلقش
نظرة تائهة ومشتتة تملأها الحيرة قلبها يرتجف بقوة
لكنها تطمئن نفسها فربما غدا يحمل لها الأفضل 
سارت خلفه بخطوات مثقلة دلف إلى البناية وهى 
خلفه تغمض عيناها تحارب ذكريات ماضيها الذى 
يؤسرها بداخله صعدت درجات السلم وقفت 
بعيدة عدة درجات حتى طالعت وجه امراة 
فى اواخر العقد الخامس لكنها لم تلاحظها 
كانت تهمس بحنو 
أنس ايه ياحبيبى .. طلعت ليه بسرعة كده 
فى حاجه !
تنحى جانبا حتى ترمق من تقف خلفه على درجات السلم
قطبت حاجبيها وهى تنظر له بتسأل 
انت معاك ضيوف ولا أيه ! 
مين ديه يا واد ! 
يا مصبيتى لتكون واحده ضحكت عليها..واتجوزتها عرفى وهربتوا من اهلها انطق يا ولا كنت حاسه والله
رفعت بصرها للأعلى سريعا تهز رأسها تنفى تلك التهمة عنها بينما هو جز على اسنانه فوالدته حتما ستصيبه بجلطه اردف بنبرة مشټعلة 
فى أيه يا نبع الحنان هو انت عمرك ما تسترى ابدا 
المسلسلات كلت عقلك .. دي ضيفه استهدى بالله 
ودخلينا كده
رفعت عيناها إليه هاتفه بصدق وهى تفسح لهم الطريق بارتباك من
تلك الصامته. فقط عيناها هى التى تتحرك 
وتقبض بيدها على طرف فستانها 
لأ ازاى اتفضل يابنى تعالوا ادخلوا .. طالما ضيفة تنور
تحركت الحاجه نوال خلفهم بعد أن اغلقت الباب 
ثم جلست على الأريكة وبيدها مسبحتها التى لا
تفارقها تلتزم الصمت تنظر لهم بعيناها وقلبها ينبض خوفا تنتظر تفسير ابنها للموقف
اما هو استنشق الهواء من حوله ثم تحدث قائلا 
الاستاذه امير قابلها عند المحطة وكانت عايزه 
سكن لأنها سابت بلدهم وجايه تشتغل هنا فكنت بقول لو الاوضتين الفوق ممكن ينفعوها
رمقتها بنظرة سريعة ثم اشارت لها بالجلوس بجوارها 
فجلست ونس منكمشة على نفسها بقلق وتوتر وخوف 
تحدثت الحاجة نوال بنبرة أم حانية 
فهمينى انت يا حبيبتى ايه الحكاية ..
وانتى مالكيش حد هنا .. وسبتى بلدك ليه ! 
بس بصراحة انا مبحبش الكدب خليكى 
صريحة واعتبرينى زي مامتك عشان اعرف 
اساعدك
ستعترف بكل شئ دفعة واحدة فحتما سيعرفونه 
انها سبب البلاء ستخبرهم وتترك لهم الاختيار 
همست ونس بنبرة قاربت البكاء 
انا .. انا مشيت من البلد هربانه من الناس 
بيخافوا منى وبيقولوا عليا وشى وحش عليهم 
بابا اتوفى مبقاش ليا حد 
سبت البلد ونزلت القاهره بعدت عنهم وريحتهم منى
وانا استريحت من نظرتهم ليا تعبت اوى من إني ابقى منبوذة كده
ثم اكملت بجملة اخيره وعيناها تفيض بالدمع 
وطبعا حضرتك ليكى حرية الاختيار تقبلى بيا اسكن هنا ولا لأ
لاحظت رجفة جسدها فربتت على كتفها بحنو 
وحدى الله يا بنتى دي نفوس مريضة قل 
لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وانا حبيتك 
من غير حتى ما تأكد من كلامك 
فيه فوق اوضتين ممكن تقعدى فيهم بس هو انت مش معاكى عفشك صح
كان يتابع حديثها 
باندهاش و استنكار كيف تكون كتلة البراءة هذه كما يدعون كانت تسرد
قصتها وملامحها تفيض بالألم لا يعلم ماهو الشعور الذى يداهمه لكنه يغزو صدره شعور غريب فأسرع يجيب 
والدته 
طب ممكن تقعد هي فى شقتى
نهضت مسرعه تهز رأسها تهمس بصوت حانق 
لا شقة مين اللى اقعد فيها انا ممكن اسكن فى الاوضتين عادى من غير عفش لو مفيش 
مشكله عند حضرتك
جذبت نوال يديها لتجلسها ثانية بجوارها 
تفتكرى واحده فى سنى ترضى بحاجه غلط 
ديه شقه مفروشه ومقفوله وأنس ابنى قاعد معايا هنا 
على ما يتجوز ويريحنى يارب ويرزقك انتى كمان 
يا بنتى
ارتسم الارتياح على ملامحها الشاحبه ثم اجابتها بضعف شديد. 
انا مطلقة اصلا
ثوان من الصمت حلت بينهم اما هو وقف مستعجبا هل هناك رجلا لديه ذرة عقل يفرط بإمرأة مثلها ظل مثبت نظره عليها فعيناها تعكسان حملا ثقيلا يود أن يعلم كل شئ عنها
رفعت نظرها فالتقت عيناها بعيناه الداكنتينملامح وجهه الوسيم عضلات ذراعه القويتين وذقنه الناميه 
اجفلت حينما شعرت بنظراته تحاصرها
فأطرقت رأسها ارضا وشردت فى ذكرى كلمات تتردد فى اذنها كطعنات الخناجر اصابت روحها 
بقولك ايه ياحبيبى طلقها واسمع كلام امك ديه 
نحس و اوعى تقولى لأ كفايه دخلتها علينا طلقهاا 
انتى طااااااالق
إرتواء الروح ٢
البارت الثاني
اشد انواع القسۏة فكرة بائسة
يحبس البشر داخلها انسانا 
فتبكى قلوبهم واعينهم صامتة
تسير بآلية داخل الشقة اثاثها قديم لكن لا يؤثر عليها 
كل ما تريده الراحة والصمت حتى تبدء رحلتها غدا فى البحث عن مصدر رزق لها
ولجت للغرفة ترتمى فوق الفراش تبكى بمرارة ڠصبا عنها فدموعها دائما هى مصدر التنفيس عن نفسها 
هل من العدل أن تتحمل عواقب كل شئ يحدث للأخرين تكورت على نفسها ثوانى قليلة وداهمها النوم من شدة الأرهاق
على الجانب الأخر يجلس على طاولة الطعام بعدما انهى عمله يتناول طعامه بشرود تحت انظار والدته المنتبه له 
علقت فى استنكار من حالته هذه 
مالك يا انس يا بنى فى حاجه فى الورشة !
انتبه من شروده على صوت والدته فابتسم وهو ينظر لها 
لأ يا ست الكل مش الورشة بصراحة بفكر فى 
اللى اسمها ونس ديه مش عارف صح نقعدها هنا 
واللى بتقول ده صح ولا لا .. مش عارف
قطبت جبينها بعبوس وهى تقول بتعجب 
طب لما انت قلقان كده جبتها ليه ! 
بس والله يا انس شكلها بنت غلبانه مع كل حلاوتها ديه وجمالها يطلع عليها وشها فقر شكلها اتحملت كتير 
انا خبطت عليها كتير من شوية فين على ما ردت وادتها الغدا قولت حرام لوحدها برضو 
مكانتش مصدقه نفسها
أوما مؤكدا على حديثها والجدية ترتسم على ملامح وجه قائلا 
انا بردو مستغرب اوى ازاى بكل البراءة اللى فيها يقولوا عليها كده بس بردو يا ست الكل ناخد حذرنا
بعد ان انهى طعامه وقف فى شرفته وفى يده كوب من الشاى الساخن يرتشف منه ولكن فجأة تسمر بصره على تلك الحورية التى تقف امامه فى الشرفة 
وحجابها الذى ترتديه بأهمال تظهر منها خصلات شعرها التى تشبه ألسنة اللهب
زفر وهو يراقبها فهى تشبه قطعة الحلوى الشهية 
لم يستطيع منع تفكيره عن حجم المعاناة التى 
عاشتها 
حاول ان يشيح نظره عنها بصعوبة فنظر
للأسفل انتبه للمقهى 
وكأنه اول مرة يلاحظ وجودها
غزي التهجم ملامح وجهه فتحمحم حتى تلاحظ وجوده 
نظرت نحوه وتبدلت ملامحها واسرعت للولوج للداخل 
فأوقفها قائلا 
يارب تكونى مرتاحة هنا بس معلش فيه حاجة عايز ألفت نظرك ليها ومش قصدى حاجه لا سمح لله
بس فيه تحتك قهوة و بلاش وقفتك كده فى البلكونه
اخفضت رأسها وهى تحاول ان تخفى عيناها التى شارفت على البكاء من مرمى بصره 
فهى لا تريد أن تكون مصدر ازعاج أو بأحرى لا تود أن تخسر هذا المكان حاليا 
همست بخفوت قبل أن تندفع للداخل 
حاضر .. اسفة لو عملت حاجه غلط ومكنتش واخده بالى
مرر أنامله على خصلات شعره وهو يرفع حاجبيه باستنكار قائلا 
دي كانت هتعيط .. لا وتقولى اسفة لو غلطت
شكلى داخل على ايام عنب
فى صباح اليوم التالى 
ولجت ونس من باب الشقة مازالت تشعر نظرات وهمسات اهل القرية تحاصرها وتجد صداها بداخلها تنهدت بثقل محاولة التفكير بايجابيه اكثر وبث التفاؤل لنفسها 
تحركت صوب الدرج وفجأة تنبهت حواسها لصوت يناديها استدارت طالعت

انت في الصفحة 1 من 7 صفحات